mercredi 10 juillet 2019

حكم طهارة الماء دون القلتين إذا خالطته نجاسة


حكم طهارة الماء دون القلتين إذا خالطته نجاسة

السؤال:
الماء إذا نقص عن قلتين وخالطته النجاسة من بول أو عذرة، هل تذهب طهوريته بذلك؟

الجواب:
قد اختلف العلماء في ذلك:
فمنهم من رأى: أن الماء إذا كان دون القلتين، وأصابته نجاسة فإنه ينجس بذلك، وإن لم يتغير لونه أو طعمه أو ريحه؛ لقول النبي ﷺ: إذا كان الماء قلتين لم يحمل الخبث وفي لفظ: لم ينجس أخرجه الإمام أحمد، وأهل السنن الأربع، وصححه ابن خزيمة، وابن حبان، والحاكم، قالوا: فمفهوم هذا الحديث أن ما دون القلتين ينجس بما يقع فيه من النجاسة، وإن لم يتغير.
وقال آخرون من أهل العلم: (دلالة المفهوم ضعيفة).
والصواب: أن ما دون القلتين لا ينجس إلا بالتغير، كالذي بلغ القلتين؛ لقول النبي ﷺ: إن الماء طهور لا ينجسه شيء أخرجه الإمام أحمد، وأبو داود، والترمذي، والنسائي بإسناد صحيح، من حديث أبي سعيد الخدري ، وإنما ذكر النبي ﷺ القلتين؛ ليدل على أن ما دونهما يحتاج إلى تثبت ونظر وعناية؛ لا أنه ينجس مطلقاً؛ لحديث أبي سعيد المذكور.
ويستفاد من ذلك: أن الماء القليل جدًا يتأثر بالنجاسة غالبا، فينبغي إراقته، والتحرز منه؛ ولهذا ثبت عنه ﷺ أنه قال: إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليرقه ثم ليغسله سبع مرات أخرجه مسلم في صحيحه.
وما ذاك إلا لأن الأواني التي يستعملها الناس تكون في الغالب صغيرة، تتأثر بولوغ الكلب، وبالنجاسات وإن قلت، فوجب أن يراق ما بها إذا وقعت فيه نجاسة؛ أخذاً بالحيطة، ودرءًا للشبهة؛ لقوله ﷺ: دع ما يريبك إلى ما لا يريبك، وقوله ﷺ: من اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه
والله ولي التوفيق[1].


  1. سؤال موجه من ع. س من الرياض في مجلس سماحته، (مجموع فتاوى ومقالات الشيخ ابن باز 10/ 15).

أقسام المياه وحكم كل منها

أقسام المياه وحكم كل منها

س: حدث نقاش حول أقسام المياه، فمنهم من يرى: أن المياه تنقسم إلى قسمين: طاهر، ونجس، ومنهم من يرى: أن المياه تنقسم إلى ثلاثة أقسام: طهور، وطاهر، ونجس، والسؤال: هل الصواب مع الفريق الأول أم الفريق الثاني؟ أرجو من سماحتكم توضيح المسألة في ذلك.

ج: الصواب: أن الماء المطلق قسمان: طهور، ونجس: قال الله تعالى: وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا [الفرقان: 48] وقال تعالى: إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ الآية [الأنفال: 11]، وقال النبي ﷺ: إن الماء طهور لا ينجسه شيء أخرجه الإمام أحمد، وأبو داود، والترمذي، والنسائي بسند صحيح، عن أبي سعيد الخدري .
ومراده ﷺ: إلا ما تغير طعمه أو ريحه أو لونه بشيء من النجاسات فإنه ينجس بإجماع العلماء، أما ما يقع في الماء من الشراب أو أوراق الشجر أو نحوهما، فإنه لا ينجسه، ولا يفقده الطهورية ما دام اسم الماء باقيًا.
أما إن تغير اسم الماء بما خالطه إلى اسم آخر؛ كاللبن، والقهوة، والشاي، ونحو ذلك فإنه يخرج بذلك عن اسم الماء، ولا يسمى ماء، ولكنه في نفسه طاهر بهذه المخالطة، ولا ينجس بها.
أما الماء المقَيَّد؛ كماء الورد، وماء العنب، وماء الرمان، فهذا يسمى طاهرًا، ولا يسمى طهورًا، ولا يحصل به التطهير من الأحداث والنجاسة؛ لأنه ماء مقيد وليس ماء مطلقاً، فلا تشمله الأدلة الشرعية الدالة على التطهير بالماء، والشرع إنما وصف الماء المطلق بالتطهير؛ كماء المطر، وماء البحر، والأنهار، والعيون.
والله ولي التوفيق[1].


  1. سؤال موجه من ع. س من الرياض في مجلس سماحته، (مجموع فتاوى ومقالات الشيخ ابن باز 10/14). 

بيان أهمية الفقه الإسلامي

 بيان أهمية الفقه الإسلامي لابن باز رحمه الله تعالى

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد الصادق الأمين، وعلى آله وأصحابه ومن سلك سبيله واهتدى بهداه إلى يوم الدين، أما بعد:
فإن معرفة الفقه الإسلامي وأدلة الأحكام، ومعرفة فقهاء الإسلام الذين يرجع إليهم في هذا الباب من الأمور المهمة التي ينبغي لأهل العلم العناية بها وإيضاحها للناس؛ لأن الله سبحانه خلق الثقلين لعبادته، ولا يمكن أن تعرف هذه العبادة إلا بمعرفة الفقه الإسلامي وأدلته، وأحكام الإسلام وأدلته، ولا يكون ذلك إلا بمعرفة العلماء الذين يعتمد عليهم في هذا الباب من أئمة الحديث والفقه الإسلامي.
فالعلماء هم ورثة الأنبياء، والأنبياء لم يورثوا ديناراً ولا درهماً وإنما ورثوا العلم، فمن أخذه أخذ بحظ وافر، ومن أسباب السعادة للعبد، ومن علامات النجاة والفوز أن يفقه في دين الله، وأن يكون فقيها في الإسلام، بصيراً بدين الله على ما جاء في كتاب الله الكريم وسنة رسوله الأمين عليه الصلاة والسلام.
والعلماء قد بين الله شأنهم ورفع قدرهم، وهم أهل العلم بالله وبشريعته، والعاملون بما جاء عن الله وعن نبيه عليه الصلاة والسلام، وهم علماء الهدى، ومصابيح الدجى وهم العاملون بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وهم الذين قال فيهم جل وعلا: شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لا إِلَهَ إِلا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ[1]، وقال فيهم جل وعلا: يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ[2]، وقال فيهم سبحانه: إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ[3].
وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين)[4] متفق على صحته، فهذا الحديث العظيم يدلنا على فضل الفقه في الدين.
والفقه في الدين هو: الفقه في كتاب الله عز وجل، والفقه في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو الفقه في الإسلام من جهة أصل الشريعة، ومن جهة أحكام الله التي أمرنا بها، ومن جهة ما نهانا عنه سبحانه وتعالى، ومن جهة البصيرة بما يجب على العبد من حق الله وحق عباده، ومن جهة خشية الله وتعظيمه ومراقبته. فإن رأس العلم خشية الله سبحانه وتعالى وتعظيم حرماته ومراقبته عز وجل فيما يأتي العبد ويذر، فمن فقد خشية الله ومراقبته فلا قيمة لعلمه، إنما العلم النافع، والفقه في الدين الذي هو علامة السعادة هو العلم الذي يؤثر في صاحبه خشية الله، ويورثه تعظيم حرمات الله ومراقبته، ويدفعه إلى أداء فرائض الله وإلى ترك محارم الله، وإلى الدعوة إلى الله عز وجل، وبيان شرعه لعباده، فمن رزق الفقه في الدين على هذا الوجه فذلك هو الدليل والعلامة على أن الله أراد به خيراً، ومن حرم ذلك وصار مع الجهلة والضالين عن السبيل، المعرضين عن الفقه في الدين، وعن تعلم ما أوجب الله عليه، وعن البصيرة فيما حرم الله عليه فذلك من الدلائل على أن الله لم يرد به خيراً، وقد وصف الله الكفار بالإعراض عما خلقوا له وعما أنذروا به، تنبيها لنا على أن الواجب على المسلم أن يقبل على دين الله، وأن يتفقه في دين الله، وأن يسأل عما أشكل عليه وأن يتبصر، قال عز وجل: وَالَّذِينَ كَفَرُوا عَمَّا أُنْذِرُوا مُعْرِضُونَ[5]، وقال سبحانه: وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا وَنَسِيَ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ[6].
فمن شأن المؤمن طلب العلم والتفقه في الدين، والتبصر، والعناية بكتاب الله والإقبال عليه وتدبره، والاستفادة منه والعناية بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، والتفقه فيها، والعمل بها وحفظ ما تيسر منها، فمن أعرض عن هذين الأصلين وغفل عنهما فذلك دليل وعلامة على أن الله سبحانه لم يرد به خيرا وذلك علامة الهلاك والدمار، وعلامة فساد القلب وانحرافه عن الهدى.
نسأل الله السلامة والعافية من كل ما يغضبه، فجدير بنا معشر المسلمين أن نتفقه في دين الله وأن نتعلم ما يجب علينا، وأن نحرص على العناية بكتاب الله تدبراً وتعقلاً وتلاوة، واستفادة، وعملا بذلك، وأن نعنى بسنة رسول الله عليه الصلاة والسلام حفظا وعملا وتفقها فيها، وأن نعنى أيضا بالسؤال عما أشكل علينا. فالإنسان يسأل عما أشكل عليه ويسأل من هو أعلم منه ليستفيد، عملا بقول الله سبحانه: فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ[7]، وعليه أن يحضر حلقات العلم ليستفيد، ويتذاكر مع إخوانه الذين يرجو أن يكون عندهم علم حتى يستفيد من علمهم، وحتى يضم ما لديهم من العلوم النافعة إلى ما لديه من العلم، فيحصل له بذلك خير كثير، ويحصل له بذلك الفقه في الدين، ويحصل له بذلك البعد عن صفات المعرضين والغافلين، وقد قال صلى الله عليه وسلم: (من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين)[8]، وبما ذكرنا يعرف المؤمن فضل فقهاء الإسلام، وأنهم قد أوتوا خيرا كثيرا، وقد فازوا بحظ عظيم، من أسباب السعادة وطرق الهداية؛ لأن العلم النافع من أسباب الهداية، ومن حرم العلم حرم خيراً كثيراً، ومن رزق العلم النافع فقد رزق أسباب السعادة إذا عمل بذلك واتقى الله في ذلك.
وعلى رأس العلماء بعد الرسل أصحاب الرسول عليه الصلاة والسلام، فإنهم هم الفقهاء على الكمال الذين تلقوا العلم عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، وتفقهوا في كتاب ربهم، وسنة نبيهم عليه الصلاة والسلام، ونقلوا ذلك إلى من بعدهم غضا طريا تفقهوا وعملوا، ونقلوا العلم إلى من بعدهم من التابعين، نقلوا كتاب الله إلى من بعدهم لفظا وتفسيرا وقراءة، إلى غير ذلك، ونقلوا إلى من بعدهم أيضاً ما بينه لهم نبيهم عليه الصلاة والسلام من معنى كلام الله عز وجل، ونقلوا أيضاً لمن بعدهم أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم التي سمعوها منه، والتي رأوها منه عليه الصلاة والسلام والتي أقرهم عليها، نقلوها إلى من بعدهم بغاية الأمانة والصدق، نقلوها إلى الأمة بواسطة الثقات من التابعين حتى نقلت إلينا بالطرق المحفوظة الثابتة التي لا يتطرق إليها الشك، نقلها الثقات عن الثقات، والثقات عن الثقات، حتى وصلت إلى هذا القرن وما بعده، وهذا من إقامة الحجة من الله عز وجل على عباده، فإن نقل العلم من طرق الثقات عن الرسول صلى الله عليه وسلم ثم عن الصحابة إلى من بعدهم إقامة للحجة وإيضاح للمحجة، ودعوة إلى الحق، وتحذير من الباطل، وتبصير للعباد بما خلقوا له من عبادة الله وطاعته جل وعلا، وبهذا يعلم أن لهم من الحق على من بعدهم الدعاء لهم بالرحمة والمغفرة والرضا والحرص على الاستفادة من علومهم، وما جمعوه وألفوه من العلوم النافعة، فإنهم سبقوا إلى خير عظيم، وإلى علم جم، سبقوا إلى الفقه في كتاب الله وإلى الفقه في سنة رسول الله عليه الصلاة والسلام، ونقلوا إلينا ما وصل إليهم من علم بالله وبكتابه وبسنة رسوله عليه الصلاة والسلام، فوجب علينا أن نعرف لهم قدرهم، وأن نشكرهم على علمهم العظيم، وعلى ما قاموا به من حفظ رسالة الله وتفقيه الناس في دين الله، وأن نستعين بما دونوه، وما خلفوه من الكتب المفيدة والعلوم النافعة حتى نعرف بذلك معاني كلام الله، ومعاني كلام رسوله عليه الصلاة والسلام.
وإن من أعظم الفائدة ومن أكبر الخير الذي نقلوه إلينا أن حفظوا علينا سنة نبينا عليه الصلاة والسلام، ونقلوها إلينا طرية غضة سليمة محفوظة، وفيها تفسير كتاب الله، وفيها بيان ما أجمل في كتاب الله، وفيها بيان الأحكام التي جاء بها الوحي الثاني إلى رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهو الوحي من الله إلى النبي وهو السنة المطهرة، فإن الله جل وعلا أعطى نبيه صلى الله عليه وسلم القرآن ومثله معه؛ كما قال النبي الكريم عليه الصلاة والسلام: (ألا وإني أوتيت القرآن ومثله معه)[9].
فعلى أهل العلم أن ينقلوا ما جاءت به السنة، وأن يوضحوا ذلك للناس، وأن يرشدوهم إلى معاني كلام ربهم وسنة نبيهم عليه الصلاة والسلام، في الخطب والمواعظ والدروس وحلقات العلم، وغير هذا من أسباب التوجيه والتعليم والإرشاد، ولهذا ارتحل العلماء إلى الأمصار، واتصلوا بالعلماء في كل قطر للفائدة والعلم، ففي عهد الصحابة سافر بعض الصحابة من المدينة إلى مصر والشام وإلى العراق واليمن وإلى غير ذلك للفائدة، ولنقل العلم، فتجد الصحابة رضي الله عنهم وهم أفضل الناس بعد الأنبياء ينتقلون من بلاد إلى بلاد ليسألوا عن سنة من سنن رسول الله صلى الله عليه وسلم فاتتهم ولم يحفظوها، فبلغهم ذلك عن صحابي آخر فيسافر أحدهم إليه ليسمع ذلك منه ولينتفع بذلك ولينقله إلى غيره من إخوانه في الله التابعين لهم بإحسان.
ثم جاء العلماء بعدهم من التابعين، هكذا فعلوا، ارتحلوا في العلم وساروا في طلب العلم، وتبصروا في دين الله وتفقهوا على الصحابة وسألوهم رضي الله عنهم وأرضاهم عما أشكل عليهم، وعملوا بذلك، ثم نقلوا ذلك إلى من بعدهم، ثم ألفوا كتبا عظيمة في الحديث والتفسير واللغة العربية وغير هذا من أنواع العلوم الشرعية حتى بصروا الناس، وحتى أرشدوا إلى الطريق السوي، وحتى علموهم القواعد الشرعية التي بها يعرف كتاب الله، وبها تعلم معانيه، وبها تحفظ السنة، وبها تعلم معانيها، وبذلك يحصل العمل بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم على بصيرة وعلى هدى وعلى نور، فجزاهم الله عن ذلك خيراً وضاعف لهم الأجور، وضاعف لهم الحسنات، ونفعنا بعلومهم جميعاً، وأعاذنا جميعاً من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا.
ومما يتعلق بهذا حضور حلقات العلم؛ لأنها من طريق أهل العلم، وفي الحديث الصحيح: (إذا مررتم برياض الجنة فارتعوا)، قالوا يا رسول الله وما رياض الجنة؟ قال: (حلق الذكر)[10]، وقال عليه الصلاة والسلام: (من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله له به طريقا إلى الجنة)[11]، وقال عز وجل: فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ[12]؛ فهذه أشياء مهمة تتعلق بالفقه والفقهاء، وبطلب العلم في المساجد، وبالرحلة إلى البلدان التي فيها العلماء المعروفون بالاستقامة، كل هذا من أسباب تحصيل العلم، ومن الطرق التي توصل إليه، وصاحبها يدخل في قوله صلى الله عليه وسلم: (من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله له به طريقا إلى الجنة).
فإذا سأل أهل العلم، أو سافر إليهم في بلادهم أو زارهم في بيوتهم وفي المساجد فقد سلك طريقا يلتمس فيه علماً، وذكر أهل العلم أن من الطرق المعينة على حفظ العلم: كتابته والعناية بحفظه، كما فعل سلفنا الصالح رحمهم الله ومن بعدهم من أهل العلم، كل هذا من وسائل تحصيل العلم، ومن الطرق الموصلة إليه، كما أن الرحلة والانتقال من بلد إلى بلد، ومن مسجد إلى مسجد، ومن حلقة إلى حلقة، ومن بيت عالم إلى بيت عالم لطلب العلم وللتفقه في الدين، كل ذلك أنواع وطرق من طرق تحصيل العلم، وهي داخلة في قوله صلى الله عليه وسلم: (من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً...) الحديث.
والله ولي التوفيق وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه.

dimanche 27 janvier 2019

فقه الطهارة

تعريف الطهارة

الطهارة لغة
النظافة والنزاهة عن الأقذار.
الطهارة شرعًا
رفع الحدث، وإزالة النجاسة.

أقسام الطهارة

1-طهارة معنوية:

وهي طهارة القلب من الشرك والمعاصي وكل ما ران عليه، ولا يمكن أن تتحقق الطهارة مع وجود نجس الشرك في القلب، كما قال جل وعل: ( يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِنَّمَا ٱلۡمُشۡرِكُونَ نَجَسٞ فَلَا يَقۡرَبُواْ ٱلۡمَسۡجِدَ ٱلۡحَرَامَ بَعۡدَ عَامِهِمۡ هَٰذَاۚ وَإِنۡ خِفۡتُمۡ عَيۡلَةٗ فَسَوۡفَ يُغۡنِيكُمُ ٱللَّهُ مِن فَضۡلِهِۦٓ إِن شَآءَۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٞ٢٨ ) [التوبة: 28].
وقَالَ رَسُولُ اللهِ (ص): «إنَّ الْمُؤْمِنَ لَا يَنْجُسُ» (متفق عليه).

2-طهارة حسية:

وهي طهارة البدن من الأحداث والنجاسات.
وتنقسم إلى قسمين :

1-الطهارة من الحدث:

والحدث: هو ما يحدث للبدن فيمنع المسلم من العبادات التي يشترط لها الطهارة، كالصلاة، والطواف بالبيت الحرام، وغير ذلك. وينقسم الحدث إلى قسمين:
حدث أصغر: هو ما يُوجِب الوضوء كالبول، والغائط، وسائر نواقض الوضوء.
وطهارته تكون بالوضوء، قال جل وعلا: ( يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِذَا قُمۡتُمۡ إِلَى ٱلصَّلَوٰةِ فَٱغۡسِلُواْ وُجُوهَكُمۡ وَأَيۡدِيَكُمۡ إِلَى ٱلۡمَرَافِقِ وَٱمۡسَحُواْ بِرُءُوسِكُمۡ وَأَرۡجُلَكُمۡ إِلَى ٱلۡكَعۡبَيۡنِۚ) [المائدة: 6].
حدث أكبر: هو ما يوجب الاغتسال كالجنابة والحيض، وغير ذلك.
وطهارته تكون بالاغتسال، قال جل وعلا: ( وَإِن كُنتُمۡ جُنُبٗا فَٱطَّهَّرُواْۚ ) [المائدة: 6].
والطهارة عند تعذر الوضوء والغسل تكون بالتيمم؛ لقوله تعالى: ( فَلَمۡ تَجِدُواْ مَآءٗفَتَيَمَّمُواْ صَعِيدٗا طَيِّبٗا) [المائدة: 6].
الوضوء طهارة للحدث الأصغر
الاغتسال طهارة للحدث الأكبر

2-الطهارة من النجاسة:

وتكون بإزالة النجاسة من البدن، والثوب، والمكان.
وإزالة النجاسة واجبة؛ لقول الله جل وعلا: (وَثِيَابَكَ فَطَهِّرۡ ٤ ) [المدَّثر: 4 ]، وقوله النبيِّ (ص): « أَكْثَرُ عَذَابِ الْقَبْرِ مِنَ الْبَوْلِ» (رواه ابن ماجه) ، وَقَوله (ص): «إِذَا جَاءَ أَحَدُكُمْ إِلَى الْمَسْجِدِ فَلْيَنْظُرْ، فَإِنْ رَأَى في نَعْلَيْهِ قَذَرًا أَوْ أَذًى فَلْيَمْسَحْهُ وَلْيُصَلِّ فِيهِمَا» (رواه أبو داود).
طهارة البدن
طهارة المكان
طهارة الثوب

أقسام المياه

أولاً: الماء الطهور

هو الطاهر في نفسه، المطهر لغيره، مثل:

1-الماء المطلق:

وهو الماء الباقي على صفته التي خُلِق عليها، سواء أكان نازلاً من السماء: كالمطر، والبَرَد [ البَرَد: الماء الجامد ينزل من السحاب قطعا صغارًا]، أو جاريًا في الأرض: كمياه البحار، والأنهار، والأمطار، والآبار.
قال جل وعلا: ( وَأَنزَلۡنَا مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءٗ طَهُورٗا) [الفرقان: 48].
وقال جل وعلا: ( وَيُنَزِّلُ عَلَيۡكُم مِّنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءٗلِّيُطَهِّرَكُم بِهِۦ ) [الأنفال: 11]، وكان النبي (ص) يدعو ويقول: «اللَّهُمَّ اغْسِلْنِي مِنْ خَطَايَايَ بِالثَّلْجِ، وَالْمَاءِ، وَالْبَرَدِ» (متفق عليه).
وقال (ص) عن ماء البحر: «هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ، الْحِلُّ مَيْتتُهُ»(رواه أحمد وأبو داود).
الآبار
الأمطار
الأنهار
البحار

2-الماء المستعمل:

وهو الماء المتساقط من أعضاء المتوضئ أو المغتسل.
ولا بأس باستعماله في الطهارة؛ لما ثبت عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضى الله عنه قَالَ: «اغْتَسَلَ بَعْضُ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ (ص) فِي جَفْنَةٍ [ أي قصعة كبيرة .] ، فَأَرَادَ رَسُولُ اللهِ (ص) أَنْ يَتَوَضَّأَ مِنْهُ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ إِنِّي كُنْتُ جُنُبًا، فَقَالَ: إِنَّ الْمَاءَ لَا يُجْنِبُ» (رواه الترمذي).

3-الماء الذي خالطه طاهر:

وهو الماء الذي خالطه شيء طاهر، كورق الشجر، أو التراب، أو الصدأ كخزانات المياه، ولم يؤثر عليه تأثيرًا يخرجه عن إطلاق اسم الماء عليه؛ لقول النبي (ص) للنسوة اللاتي قمن بتجهيز ابنته: «اغْسِلْنَهَا ثَلَاثًا، أَوْ خَمْسًا، أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ -إِنْ رَأَيْتُنَّ ذَلِكَ- بِمَاءٍ وَسِدْرٍ [ السدر: هو ورق شجر السدر، يطحن ويستعمل في التنظيف .]، وَاجْعَلْنَ في الآخِرَةِ كَافُورًا» (متفق عليه).
ماء خالطه تراب
صدأ خزانات المياه
ماء خالطه ورق شجر
تغيّر الماء
إِذا تغيَّر الماء بشيء أثر عليه، وأخرجه عن كونه ماءً إِلى شيءٍ آخر، كشاي وعصير وغيرهما فلا تصح الطهارة به؛ إذ لا يسمى ماء.
مرق
حبر
عصير
شاي

4-الماء الذي خالطته نجاسة ولم تغيره:

وهو ما وقع فيه شيء من النجاسات، كالبول، والميتة، وغير ذلك، ولم تغير أحد أوصافه.
فهذا الماء طهور؛ لقول النبي (ص) عن بئر بُضَاعَةَ: «إِنَّ الْمَاءَ طَهُورٌ لَا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ» (رواه أحمد والترمذي)، والمراد: أن الناس كانوا يضعون الأقذار بجانب البئر، وأن الأمطار تسوقها إلى البئر، وكان الماء لكثرته لا تؤثر فيه وقوع هذه الأشياء ولا يتغير.

ثانيًا: الماء النجس

وهو ما وقع فيه شيء من النجاسات، كالبول، أو الميتة، فغيَّرت النجاسة أحد أوصافه الثلاثة -ريحه، أو طعمه، أو لونه-فهذا نجس بالإجماع، ولا يجوز استعماله.
ميتة لم تغير الماء
ميتة غيرت الماء
مسائل
1-الأصل في الماء الطهارة، فإذا كان هناك ماء لا يعرف هل هو طاهر أم نجس؟ فالأصل فيه الطهارة، ولا ينبغي التكلف، وإذا شك في نجاسة ماء كان أصله نجسًا فحكمه على الأصل الذي كان عليه.
2-يجوز الوضوء بماء زمزم؛ لما ثبت أن النبي (ص) دَعَا بِسَجْلٍ[ السجل: الدلو الكبير]، مِنْ مَاءِ زَمْزَمَ، فَشَرِبَ مِنْهُ، وَتَوَضَّأَ (رواه أحمد).</p >

jeudi 10 janvier 2019

خطبة: وللظالمين أمثالها

اسم الخطبة: وللظالمين أمثالها
https://btc4link.com/ITAS2ej : تحميل الخطبة: الجزء الأول:
https://btc4link.com/xiJqXzU : الجزء الثاني                   




الخطبةُ الأُولى



إِنَّ الْحَمْدَ لِلّهِ، نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ، وَنَسْتَهْدِيهِ، وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ.
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ[آل عمران: 102].
﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا[النساء: 1].
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا[الأحزاب: 70-71].
وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ.
أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّ أَصْدَقَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللهِ، وَخَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ، وَشَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلاَلَةٌ، وَكُلَّ ضَلاَلَةٍ فِي النَّارِ.
ثُمَّ أَمَّا بَعْدُ:
فَإِنَّ سُؤَالاً مُلِحًّا إِلْحَاحًا شَدِيدًا مِنْ دَهْرٍ بَعِيدٍ مَضَى، يُدَافَعُ بِرِفْقٍ حِينًا وَبِشِدَّةٍ أَحْيَانًا، غَيْرَ أَنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ قَدَّرَ أَنْ يُطْرَحَ الْيَوْمَ، مَعَ تَشَعُّبِ طُرُقِ الْإِجَابَةِ عَنْهُ، وَعَدَمِ تَنَاهِي طُرُقِ الْوُصُولِ إِلَيْهِ، وَلَكِنْ .... اللهُ الْمُسْتَعَانُ وَعَلَيْهِ التُّكْلاَنُ.
هَذَا السُّؤَالُ هُوَ:
مَا هُوَ مَوْقِفُ الْمُسْلِمِ الْيَوْمَ مِنْ الْعِلْمِ الْمَادِّيِّ الْبَشَرِيِّ الَّذِي وَصَلَ إِلَيْهِ النَّاسُ؟
وَهَذَا السُّؤَالُ يُمْكِنُ أَنْ يُفْهَمَ عَلَى وَجْهَيْنِ:
الْوَجْهُ الْأَوَّلُ: مَا هُوَ تَوْصِيفُ وَحَالُ مَوْقِفِ الْمُسْلِمِ الْيَوْمَ بِإِزَاءِ مَا وَصَلَ إِلَيْهِ النَّاسُ مِنْ تَقَدُّمٍ عِلْمِيٍّ مُذْهِلٍ فِي أُمُورِ الطَّبِيعَةِ وَالْمَادَّةِ وَشُؤُونِ الْحَيَاةِ؟
فَهَذَا هُوَ الْوَجْهُ الْأَوَّلُ، وَهُوَ وَجْهٌ وَصْفِيٌّ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي هُوَ وَجْهٌ تَقْرِيرِيٌّ شَرْعِيٌّ؛ مُفَادُهُ: مَا الْوَاجِبُ عَلَى الْمُسْلِمِ فِي مَوْقفِِهِ إِزَاءَ مَا يَسْتَجِدُّ مِنْ عُلُومٍ طَبِيعِيَّةٍ وَاخْتِرَاعَاتٍ إِنْسَانِيَّةٍ فِي مَنَاحِي الْحَيَاةِ؟
وَلْنَبْدَأْ بِالْوَجْهِ الْأَوَّلِ مِنْ وَجْهَيْ هَذَا السُّؤَالِ؛ فَأَمَّا وَصْفُ مَوْقِفِ الْمُسْلِمِ الْيَوْمَ إِزَاءَ مَا وَصَلَ إِلَيْهِ النَّاسُ مِنِ اخْتِرَاعَاتٍ وَمُسْتَحْدَثَاتٍ فِي وَسَائِلِ الْحَيَاةِ أَنَّهُ فِي كَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ: (مَهْزُومٌ).
فَالْمُسْلِمُ مَهْزُومٌ هَزِيمَةً مُطْلَقَةً بِضَرْبَةٍ وَاحِدَةٍ قَاضِيَةٍ لاَ حَرَاكَ لَهُ مَعَهَا وَلاَ نَأْمَةَ حِسٍّ بِإِزَاءِ مَا وَصَلَ إِلَيْهِ النَّاسُ الْيَوْمَ مِنْ مُسْتَحْدَثَاتٍ وَمُخْتَرَعَاتٍ فِي شَتَّى مَنَاحِي الْحَيَاةِ، فَهَذَا وَصْفُ مَوْقِفِ الْمُسْلِمِ الْيَوْمَ.
وَإِذَا مَا أَرَدْتَ أَنْ تَصِلَ إِلَى هَذِهِ النَّتِيجَةِ النَّظَرِيَّةِ الْمُدَّعَاةِ بِطَرِيقَةٍ عَمَلِيَّةِ فِعْلِيَّةٍ تَجْرِيبِيَّةٍ؛ فَتَصَوَّرِ الْآنَ مُؤْتَمَرًا عَالَمِيًّا مِنْ مُؤْتَمَرَاتِ السُّكَّانِ، وَقَدْ حُشِدَ لِهَذَا الْمُؤْتَمَرِ كُلُّ عُلَمَاءِ الْأَرْضِ مِمَّنْ يُحْسِنُونَ وَلاَ يُحْسِنُونَ الْكَلاَمَ فِي هَذَا الْمَنْحَى، وَقَدِ اجْتَمَعُوا جَمِيعًا فِي مَكَانٍ مَا، يُنَظِّرُونَ وَيَتَكَلَّمُونَ عَلَى أَحْدَثِ وَسَائِلِ الْعِلْمِ وَالنَّظَرِ الْحَدِيثِ، وَمَعَ هَؤُلاَءِ الْعُلَمَاءِ -بِزَعْمِهِمْ- عَالِمٌ مِنْ عُلَمَاءِ شَرْعِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ، بِضَاعَتُهُ فِي عِلْمِهِ مَا يُقَرِّبُهُ إِلَى اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ وَيَنْفِي عَنْ قَلْبِهِ الشِّرْكَ وَالدَّغَلَ، يَحْمِلُ كِتَابَ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ وَيُحْسِنُ فِيهِ النَّظَرَ، وَقَدْ حُشِرَ فِي وَسَطِ هَذِهِ الْمَجْمُوعَةِ مِنَ الْعُلَمَاءِ الَّذِين يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ عَنْهَا غَافِلُونَ، وَقَدْ وُضِعَ هَذَا الرَّجُلُ مَعَ أُولَئِكَ فَاسْتَمَعَ إِلَيْهِمْ وَإِلَى مَا أَتَوْا بِهِ مِنْ عِلْمٍ مُحْدَثٍ جَدِيدٍ مُخْتَرَعٍ حَادِثٍ، فَلَمَّا فَرَغُوا -تَصَوَّرْ هَذَا-فَلَمَّا فَرَغُوا- قَامَ هَذَا الرَّجُلُ يَطْلُبُ الْكَلِمَةَ وَيَدَّعِي بِحَقٍّ أَنَّ عِنْدَهُ حَلَّ الْمُشْكِلَةِ الَّتِي يَبْحَثُ عَنْهَا هَؤُلاَءِ جَاهِدِينَ، وَيُنَظِّرُونَ فِي سَبِيلِ الْوُصُولِ إِلَى حَلِّهَا مَا يُنَظِّرُونَ فَلاَ يَصِلُونَ. 
قَامَ هَذَا الرَّجُلُ، فَحِمَدَ اللهَ، وَأَثْنَى عَلَيْهِ، وَتَشَهَّدَ الشَّهَادَتَيْنِ، ثُمَّ قَالَ:
يَا هَؤُلاَءِ! إِنَّ حَلَّكُمْ عِنْدِي؛ آيَةٌ فِي كِتَابِ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، يَقُولُ فِيهَا رَبُّنَا سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: ﴿وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ[الأعراف: 96]، فَهَذَا حَلُّكُمْ.
تَصَوَّرْ أَنَّ هَذَا الرَّجُلَ الْمُسْلِمَ الْعَالِمَ الْحَامِلَ لِكِتَابِ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ يَأْتِي بِآيَةٍ مِنْ كَلاَمِ اللهِ مِنْ كَلاَمِ رَبِّنَا سُبْحَانَهُ الَّذِي لاَ يَأْتِي كَلاَمَ رَبِّنَا تَبَارَكَ وَتَعَالَى مِنْ بَيْنَ يَدَيْهِ وَلاَ منِ ْخَلْفِهِ زَيْغٌ وَلاَ ضَلاَلٌ وَلاَ خَلَلٌ -وَحَاشَا لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ-، تَصَوَّرْ أَنَّ هَذَا الْعَالِمَ قَدْ قَامَ بَعْدَ مَا قَالَ هَؤُلاَءِ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ الْمَادِّيِّ الْحَدِيثِ مَا قَالُوا عَلَى أَحْدَثِ مَا وَصَلَ إِلَيْهِ الْعَقْلُ الْبَشَرِيُّ الْيَوْمَِ، فَقَامَ يَقُولُ: الْحَلُّ عِنْدِي، آيَةٌ مِنْ كِتَابِ رَبِّنَا مِنْ كَلاَمِ اللهِ يَقُولُ فِيهَا رَبُّنَا جَلَّتْ قُدْرَتُهُ: يَا مَعْشَرَ النَّاسِ! لاَ تَخْشَوُا الرِّزْقَ؛ بَلْ فَاعْبُدُونِي، وَأَنَا أَنَا الرَّازِقُ الرَّزَّاقُ؛ فَعُودُوا إِلَيَّ أَفْتَحْ عَلَيْكُمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ.
إِذَنْ؛ فَالْحَلُّ أَنْ تَعُودُوا إِلَى اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ وَحْدَهُ، ﴿وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ﴾، ﴿فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً | يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَاراً * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَاراً[نوح: 10-12]، الْحَلُّ فِي كَلاَمِ رَبِّنَا.
لَوْ أَنَّهُ قَامَ فَقَالَ هَذَا، تَصَوَّرَ أَنْتَ وَأَعْمِلْ خَيَالَكَ مَا شَاءَ لَكَ الْعَمَلُ عَنْ مَدَى السُّخْرِيَّةِ الْعَاصِفَةِ الَّتِي سَتُحِيطُ بِهِ إِنِ اجْتَرَأَ فَقَالَ، وَأَنَا أَزْعُمُ -وَأَسْأَلُ اللهَ السَّلاَمَةَ مِنَ الْخَلَلِ، وَالْعِصْمَةَ مِنَ الزَّلَلِ- أَنَّكَ لَنْ تَجِدَ الْيَوْمَ عَالِمًا يُحْشَرُ هَذَا الْمَحْشَرَ فَيَقُومُ فَيَقُولُ: إِنَّ الْحَلَّ فِي آيَةٍ مِنْ كِتَابِ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ فِي وَسَطِ الْعِلْمِ الْمَادِّيِّ الْبَشَرِيِّ الْحَدِيثِ؛ لِأَنَّ الْمَوْقِفَ الْحَادِثَ لِلْمُسْلِمِ الْيَوْمَ عَلَى مُسْتَوَى الْعَالَمِ -إِلاَّ مَنْ عَصَمَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ- أَنَّهُ أَمَامَ مَا أَحْدَثَ الْعَقْلُ الْبَشَرِيُّ مِنْ مُخْتَرَعَاتٍ أَنَّ الْمُسْلِمَ (مَهُزُومٌ)، وَلاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاللهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ.
الدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ: أَنَّكَ إِذَا مَا نَظَرْتَ إِلَى بَلْدَةٍ كَهَذِهِ يَخْرُجُ مِنْ أَبْنَائِهَا فِي كُلِّ عَامٍ مَا يَصِلُ رُبَّمَا إِلَى عَشْرَةِ فُصُولٍ فِي كُلِّ مَدْرَسَةٍ مِنْ مَدَارِسِ التَّعْلِيمِ الْعَامِّ، كُلُّهُمْ يَدْفَعُهُمْ آبَاؤُهُمْ إِلَى هَذَا الْعِلْمِ الْحَدِيثِ؛ لِكَيْ يُصْبِحَ الْوَلَدُ فِي يَوْمٍ مِنَ الْأَيَّامِ طَبِيبًا، أَوْ مُهَنْدِسًا، أَوْ مَا شِئْتَ مِنْ تِلْكَ الْخَيَالاَتِ الَّتِي إِذَا لَمْ تَرْتَكِزْ عَلَى إِيمَانٍ صَحِيحٍ لاَ تُسَاوِي فِي مِيزَانِ رَبِّنَا تَبَارَكَ وَتَعَالَى شَيْئًا عَلَى الْإِطْلاَقِ.
عَشْرَةُ فُصُولٍ فِي كُلِّ عَامٍ، وَفَصْلٌ وَاحِدٌ فِي الْمَعْهَدِ الْأَزْهَرِيِّ لاَ يَتِمُّ تَمَامُهُ إِلَى الْيَوْمِ -وَلاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاللهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ-؛ لِأَنَّكَ إِذَا مَا أَخَذْتَ وَلَيَّ أَمْرٍ نَاحِيَةً، فَانْتَحَى مَعَكَ فِيهَا، فَقُلْتَ لَهُ: مَا تَبْغِي لِأَبْنَائِكَ؟!
أَنَا زَعِيمٌ -وَأَسْأَلُ اللهَ الْعِصْمَةَ مِنَ الزَّلَلِ، وَالسَّلاَمَةَ مِنَ الْخَلَلِ- أَنَّكَ لَنْ تَجِدَ فِي كُلِّ مِلْيُونٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ مَنْ يَقُولُ لَكَ عِنْدَمَا تُوَجِّهُ إِلَيْهِ هَذَا السُّؤَالَ: أُرِيدُ أَنْ يُصْبِحَ وَلَدِي إِنْ شَاءَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ عَالِمًا مِنْ عُلَمَاءِ دِينِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
لاَ تَجِدُ، وَاذْهَبْ إِلَى أَيِّ مَكَانٍ شِئْتَ، وَادْخُلْ أَيَّ مَدْرَسَةٍ أَرَدْتَ وَأَحْبَبْتَ، بِلِ ادْخُلْ إِلَى فُصُولِ الْمَعَاهِدِ الْأَزْهَرِيَّةِ بَعْدَ التَّطْوِيرِ، وَاسْأَلْ مَنْ فِيهَا مِنْ أَبْنَائِهَا الَّذِينَ يَنْتَمُونَ إِلَى خَيْرِ مُنْتَمًى إِلَيْهِ -وَهُوَ دِينُ الْإِسْلاَمِ، دِينُ الْحَبِيبِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، ادْخُلْ إِلَى فُصُولِهِمْ، وَأَقِمْ هَؤُلاَءِ وَاحِدًا بَعْدَ وَاحِدٍ: مَا تُرِيدُ أَنْ تُصْبِحَ يَوْمًا مِنَ الدَّهْرِ؟
سَيَقُولُ لَكَ: أُرِيدُ أَنْ أُصْبِحَ طَبِيبًا، أَوْ مُهَنْدِسًا، أَوْ مَا شِئْتَ مِنْ تِلْكَ الْخَيَالاَتِ وَالْأَوْهَامِ الَّتِي إِذَا لَمْ تَرْتَكِزْ عَلَى إِيمَانٍ صَحِيحٍ لاَ تُسَاوِي فِي مِيزَانِ رَبِّنَا شَيْئًا عَلَى الْإِطْلاَقِ.
الْمُسْلِمُ مَهْزُومٌ إِزَاءَ هَذَا الْوَاقِعِ الْمُرِّ الَّذِي نَحْيَى فِيهِ، وَكَثِيرًا مَا يَسْأَلُ الصَّيَادِلَةُ وَالْأَطِبَّاءُ عُلَمَاءَ الشَّرْعِ: مَا الشَّأْنُ فِي الدَّوَاءِ الْمَشْرُوبِ وَإِنَّ فِيهِ مِنْ مَادَّةِ الْخَمْرِ -أَيْ مِنَ الْكُحُولِ الَّذِي يُسَبِّبُ السُّكْرَ-، وَإِنَّ فِي هَذَا الدَّوَاءِ الْمَشْرُوبِ مَا فِيهِ مِنْ أَصْلِ أَمْرٍ حَرَّمَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسِيرًا وَكَبِيرًا؛ فَحَرَّمَ قَلِيلَهُ وَكَثِيرَهُ سَوَاءً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: مَا الْحَلُّ فِي هَذَا الْأَمْرِ وَمَا الْمَوْقِفُ مِنْهُ؟!
الْمَوْقِفُ مِنْهُ وَالْحَلُّ فِيهِ أَنَّكَ لَمْ تَقُمْ عَلَى شَأْنِ هَذِهِ الْأَدْوِيَةِ، وَلَمْ يَلْتَفِتِ الْمُسْلِمُ إِلَى شَأْنِ تَصْنِيعِهِا، إِنَّمَا يَصْنَعُ النَّاسُ مَا يَصْنَعُونَ مِنْ مُسْتَحْدَثَاتِ الْحَيَاةِ وَظَوَاهِرِهَا عَلَى حَسَبِ مَا اسْتَقَرَّ فِي قَرَارَةِ قُلُوبِهِمْ مِنْ تَصَوُّرَاتٍ اعْتِقَادِيَّةٍ كَامِنَةٍ فِيهَا، فَإِذَا كَانَتِ الْقُلُوبُ قَدِ اسْتَقَرَّ فِيهَا الْإِيمَانُ بِأَنَّ «لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ، مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ»؛ جَاءَ الْعَمَلُ الْمَادِّيُّ الْحَدِيثُ وَالْمُخْتَرَعُ فِي هَذِهِ الْحَيَاةِ سَائِرًا عَلَى مُقْتَضَى هَذَا الْإِيمَانِ الَّذِي اسْتَقَرَّ فِي قَرَارَةِ الْقُلُوبِ، وَإِذَا مَا كَانَتِ الْقُلُوبُ مِنَ الْإِيمَانِ خَاوِيَةً عَلَى عُرُوشِهَا؛ فَلاَ تَنْتَظِرْ أَنْ تَعُودَ هَذِهِ الْمُسْتَحْدَثَاتُ إِلَى أَصْلٍ شَرْعِيٍّ، وَلْيَشْرَبِ الْمُسْلِمُونَ وَأَبْنَاءُ الْمُسْلِمِينَ مِمَّا حَرَّمَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ عَلَيْهِمْ أَنْ يَشْرَبُوهُ مَا شَاءَ لَهُمْ أَنْ يَشْرَبُوا، وَلاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاللهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ.
الْمُسْلِمُ مَهْزُومٌ بِكَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ أَمَامَ مَا اسْتَحْدَثَ النَّاسُ فِي هَذَا الْكَوْنِ، وَاعْلَمْ -هَدَانِي اللهُ وَإِيَّاكَ إِلَى سَبِيلِ الرَّشَادِ- أَنَّ أَكْبَرَ الشَّهَادَاتِ الْعِلْمِيَّةِ عَلَى ظَهْرِ الْأَرْضِ قَاطِبَةً لاَ تُسَاوِي شَيْئًا عَلَى الْإِطْلاَقِ أَمَامَ آيَةٍ وَاحِدَةٍ يَتْلُوهَا أَحْقَرُ طِفْلٍ فِي أَقَلِّ مَكْتَبٍ مِنْ مَكَاتِبِ تَحْفِيظِ الْقُرْآنِ فِي الْعَالَمِ كُلِّهِ؛ لِأَنَّ هَذَا كَلاَمُ اللهِ، وَالْمُسْلِمُ عِنْدَهُ الْعِلْمُ بِاللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.
وَشَتَّانَ شَتَّانَ شَتَّانَ بَيْنَ عَالِمٍ بِالْحَيَوَانِ وَعَالِمٍ بِرَبِّ الْحَيَوَانِ، شَتَّانَ شَتَّانَ شَتَّانَ بَيْنَ عَالِمٍ بِالْحَيَوَانِ وَعَالِمٍ بِرَبِّ الْحَيَوَانِ، بِالْكَرِيمِ الدَّيَّانِ، بِالرَّحِيمِ الرَّحْمَنِ.
وَلَكِنَّ الْمُسْلِمَ فَرَّطَ فِي الْأَمَانَةِ، وَأَهْمَلَ الْعِلْمَ الشَّرْعِيَّ الصَّحِيحَ؛ فَآلَ الْأَمْرُ إِلَى مَا آلَ إِلَيْهِ؛ انْهِزَامٌ فِي كُلِّ مَظَاهِرِ الْحَيَاةِ، وَتَضَاؤُلٌ أَمَامَ مَا يَسْتَحْدِثُهُ النَّاسُ مِنْ مُسْتَحْدَثَاتٍ، وَمَا هِيَ فِي الْحَقِيقَةِ فِي مِيزَانِ الْإِسْلاَمِ إِلاَّ كَلُعَبٍ مِنْ لُعَبِ الْأَطْفَالِ.
مَا بُعِثَ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ طَبِيبًا وَلاَ كِيمْيَائِيًّا وَلاَ عَالِمًا نَوَوِيًّا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ، وَلَكِنْ بُعِثَ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِكَيْ يَحْكُمَ هَؤُلاَءِ جَمِيعًا بِتَصَوُّرٍ وَاحِدٍ؛ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ لِتَسْتَقِيمَ الْحَيَاةُ -كُلُّ الْحَيَاةِ- عَلَى هَذَا الْمَنْهَجِ وَحْدَهُ.
وَعَلَيْهِ؛ فَإِنَّ أَعْلَى عَالِمٍ بِالطِّبِّ الْيَوْمَ فِي الْأَرْضِ وَفِي كُلِّ أَرْضٍ وَفِي كُلِّ زَمَانٍ وَمَكَانٍ مَا هُوَ إِلاَّ أَمْهَرُ عَامِلِ صِيَانَةٍ لِلْجَسَدِ الْبَشَرِيِّ، فَمَا الطَّبِيبُ الْحَاذِقُ فِي نِهَايَةِ الْأَمْرِ إِلاَّ عَامِلُ صِيَانَةٍ لِلْمُعْجِزَةِ الْكُبْرَى الَّتِي خَلَقَهَا اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ فِيكَ -وَأَنْتَ لاَ تَدْرِي عَنْهَا شَيْئًا، وَلاَ تَعْلَمُ مِنْ خَبَرِهَا شَيْئًا-.
وَمَا أَحْدَثَ النَّاسُ الْيَوْمَ مِنْ بِنَايَاتٍ تُنَاطِحُ السَّحَابَ، إِذَا مَا صَعَدْتَ إِلَى أَجْوَازِ الْفَضَاءِ فَنَظَرْتَ مِنْ طَيَّارَةٍ تَسْبَحُ فِي كَوْنٍ لاَ يَعْلَمُ مُنْتَهَاهُ إِلاَّ اللهُ؛ لَوَجْدَتَ هَذِهِ الَّتِي يَتَفَاخَرُ بِهَا مَنْ يَتَفَاخَرُ كَعُلَبِ الْكِبْرِيتِ، كَبِنَايَاتِ الْأَطْفَالِ الصَّغِيرَةِ عَلَى الْأَرْضِ، هَذَا فِي كَوْنِ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ الَّذِي لاَ يَعْلَمُ مَدَاهُ إِلاَّ اللهُ.
هَزَمْتُمْ عِلْمَ اللهَ فِيكُمْ، وَحَقَّرْتُمْ مَا آتَاكُمْ رَبُّكُمْ -مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ!- مِنْ عِلْمٍ شَرْعِيٍّ صَحِيحٍ، بِقُرْآنٍ عَظِيمٍ لاَ يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلاَ مِنْ خَلْفِهِ، بِالرُّوحِ الَّتِي تَمَسُّ الْمَوَاتِ فَيُحْيِهِ.
أَلاَ تَعْلَمُ أَنَّ مَنْ آتَاهُ اللهُ الْقَرْآنَ... الْقُرْآنُ الَّذِي يَهْرَبُ أَوْلِيَاءُ الْأُمُورِ الْيَوْمَ بِأَبْنَائِهِمْ مِنْ أَنْ يَقَعُوا عَلَى صَرِيحِهِ وَسَوَائِهِ فِي إِبَاحَةِ التَّعْلِيمِ الْأَزْهَرِيِّ؛ فَيَذْهَبُونَ إِلَى حَيْثُ يُمْسَخُ الْقُرْآنُ وَأَهْلُ الْقُرْآنِ مَسْخًا، نَسْأَلُ اللهَ السَّلاَمَةَ وَالْعَافِيَةَ.
اعْلَمْ أَنَّ مَنْ آتَاهُ اللهُ الْقُرْآنَ فَكَانَ فِي قَلْبِهِ وَبَيْنَ ضُلُوعِهِ؛ فَقَدْ أُوتِيَ النُّبُوَّةَ غَيْرَ أَنَّهُ لاَ يُوْحَى إِلَيْهِ، وَمَنْ آتَاهُ اللهُ الْقُرْآنَ فَظَنَّ أَنَّ أَحَدًا عَلَى ظَهْرِ الْأَرْضِ أَفْضَلُ مِنْهُ؛ فَقَدْ حَقَّرَ مَا عَظَّمَ اللهُ، وَلاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاللهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ، وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ.
عِبَادَ اللهِ! لَقَدْ هَزَمْنَا عِلْمَ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ فِينَا، وَانْهَزَمَ هَذَا الْعِلْمُ -لاَ فِي حَقِيقَتِهِ حَاشَا لِلَّهِ أَنْ يُهْزَمَ؛ بَلْ فِي ظَوَاهِرِهِ- أَمَامَ الْمُلْحِدِينَ وَالْعَلْمَانِيِّينَ وَالاشْتِرَاكِيِّينَ وَالشُّيُوعِيِّينَ، انْهَزَمَ فِينَا لِأَنَّا مَا زِلْنَا إِلَى الْيَوْمِ نَبْحَثُ: 
الْأَمْوَاتُ يَقْرَؤُونَ الْقْرَآنَ فِي قُبُورِهِمْ أَمْ لاَ يَقْرَؤُونَ؟! 
وَالْأَوْلِيَاءُ هَلْ لَهُمْ تَصَرُّفٌ فِي الْمُلْكِ وَالْمَلَكُوتُ أَمْ لَيْسَ لَهُمْ فِي هَذَا مِنْ تَصَرُّفٍ؟!
مَا هَذَا الْهُرَاءُ؟!!
فَلْيَقْرَأْ فِي الْقَبْرِ مَنْ قَرَأَ، وَلْيَقْرَأْ فِي الْقَبْرِ مَنْ يَشَاءُ اللهُ أَنْ يَقْرَأَ، هَذَا أَمْرٌ لاَ يَعْنِينَا عَلَى الْإِطْلاَقِ.
وَأَمَّا نَحْنُ فِي ظَاهِرِ الْأَمْرِ -مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ!- فَشَوَارِعُنَا قَذِرَةٌ، وَحَيَاتُنَا لاَ تَسِيرُ عَلَى مَنْهَجِ النَّظَافَةِ الَّتِي حَضَّ عَلَيْهَا مُحَمَّدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ عِنْدَمَا حَذَّرَنَا أَنْ نَتَشَبَّهَ بِالْيَهُودِ فَقَالَ: «لاَ تَشَبَّهُوا بِالْيَهُودِ؛ نَظِّفُوا أَفْنِيَتَكُمْ».
شَوَارِعُنَا قَذِرَةٌ، وَحَيَاتُنَا لاَ تَسْتَقِيمُ عَلَى مَنْهَجٍ مَضْبُوطٍ، بَلْ لاَ نَعْرِفُ لِأَنْفُسِنَا قَرَارًا عَلَى سَوَاءِ إِيمَانٍ صَحِيحٍ، نَسْأَلُ اللهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ أَنْ يَهْدِيَنَا إِلَى سَوَاءِ الصِّرَاطِ.
عِبَادَ اللهِ!
إِنَّ عِلْمَ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ أَمْرٌ جَلَلٌ لاَ يَعْلَمُهُ إِلاَّ هُوَ، مَا أُوتِيَ النَّاسُ مِنْ الْعِلْمِ الظَّاهِرِيِّ الَّذِي تَرَاهُ وَالَّذِي تَنْهَزِمُ أَمَامَهُ وَتَتَضَاءَلُ أَنْ جَعَلَهُ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ -لِلْأَخْذِ بِالْأَسْبَابِ، وَلِلتَّفْرِيطِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ جَعَلَهُ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ- فِي أَيْدِي أَعْدَائِنَا؛ فَنَشَرُوا الْخَرَابَ وَالدَّمَارَ وَالضَّيَاعَ وَالضَّلاَلَ فِي الْأَرْضِ عَلَى رُؤُوسِنَا وَحْدَنَا.
نَعَمْ! لَقَدْ شَطَرُوا نُوَاةَ الذَّرَّةِ، وَبَحَثُوا فِي الْإِلكترُونِ، وَلَكِنَّهُمْ حَطَّمُوهَا عَلَى رُؤُوسِنَا نَحْنُ، وَمَا ازْدَادَ الْإِنْسَانُ فِي هَذَا الْعَصْرِ الَّذِي بَلَغَ فِيهِ مِنَ الْعِلْمَ الْمَادِّيِّ مَا بَلَغَ -مَا ازْدَادَ- سَعَادَةً، بَلْ وُجِدَتِ الْأَمْرَاضُ الَّتِي لَمْ تَكُنْ فِي الْأَسْلاَفِ، وَلَمْ يَعْرِفْ لَهَا تَارِيخُ الطِّبِّ مَثِيلاً وَلاَ خَبَرًا وَلاَ سَمِعَ عَنْهَا نَبَأً، انْتَشَرَتْ فِي هَذَا الْعَصْرِ، وَوَصَلَ الْإِنْسَانُ بِقَلَقِهِ وَضَيَاعِهِ وَانْحِلاَلِهِ إِلَى دَرَكَةٍ مِنَ الضَّيَاعِ لاَ يَعْلَمُ حَمْأَتَهَا الْحَقِيقِيَّةَ إِلاَّ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ، نَسْأَلُ اللهَ السَّلاَمَةَ وَالْعَافِيَةَ.
إِنَّ هَذَا بَهْرَجٌ؛ ﴿إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَّهَا[الكهف: 7]، زِينَةٌ وَلَيْسَ هُوَ الْأَصْلَ، كَالْفَرَحِ الَّذِي تُعَلَّقُ الزِّينَاتُ وَالرَّايَاتُ عَلَى دَارِ صَاحِبِهِ، وَيُنْصَبُ السَّامِرُ بِلَيْلٍ، فَإِذَا مَا اسْتَيْقَظَ النَّاسُ وَانْفَضَّ السَّامِرُ عَادَتِ الزِّينَةُ إِلَى مَنْ جَاءَتْ مِنْ عِنْدِهِ، وَعَادَ الْأَصْلُ إِلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ قَبْلَ نَصْبِ الزِّينَةِ، الَّذِي تَرَاهُ مَا هُوَ إِلاَّ بَهْرَجٌ وَزِينَةٌ.
وَانْظُرْ فِي أَمْرِيكَا أُمِّ الْأَرْضِ الْيَوْمَ، أَعْلَى نَسْبَةٍ مِنْ نِسَبِ الاغْتِصَابِ عَلَى الْإِطْلاَقِ فِي الْعَالَمِ، مَعَ أَنَّهُ لاَ يُوْجَدُ فِي الْأَرْضِ كُلِّهَا إِبَاحِيَّةٌ جِنْسِيَّةٌ...
حَتَّى إِنَّ الْمَرْأَةَ لَوْ أَعْجَبَتْهَا امْرَأَةٌ فَأَرَادَتْ أَنْ تَتَزَوَّجَهَا فَلاَ حَرَجَ، تَأْخُذُ بِيَدِهَا إِلَى كَنِيسَةٍ مُعَدَّةٍ لِذَلِكَ، وَيَأْتِي أَهْلُ الْعَرِيسِ -أَيُّ عَرِيسٍ؟!!- وَيَأْتِي أَهْلُ الْعَرُوسِ وَالْعَرُوسِ مِنْ أَجْلِ أَنْ يُبَارِكَ هَؤُلاَءِ جَمِيعًا بِجَمْعِهِمْ هَاَتَيْنِ -هَاتَيْنِ أَمْ هَاذَيْنِ؟! نَسْأَلُ اللهَ السَّلاَمَةَ وَالْعَافِيَةَ-.
وَمَعَ ذَلِكَ أَعْلَى نِسْبَةِ اغْتِصَابٍ فِي الْعَالَمِ، لِمَاذَا؟!
إِنَّ كُلَّ طُرُقِ الْإِشْبَاعِ مُبَاحَةٌ وَمُجَهَّزَةٌ، وَلاَ رَقِيبَ -فِي زَعْمِهِمْ، وَفِي نَظَرِهِمْ-، وَمَعَ ذَلِكَ يَأْتِي الْعُنْفُ، وَيَأْتِي التَّطَرُّفُ، وَيَأْتِي الْإِرْهَابُ عَلَى حَقِيقَتِهِ؛ مِنْ أَجْلِ أَنْ يَأْتِي هَذَا الاغْتِصَابُ الَّذِي لاَ يَدْعُو إِلَيْهِ مَنْطِقٌ مِنْ عَقْلٍ فِي هَذَا الْمُجْتَمَعِ عَلَى الْإِطْلاَقِ.
لِمَاذَا هَذَا كُلُّهُ؟ 
لِأَنَّ هَؤُلاَءِ قَدَ بَعُدُوا وَلَوْ عَنْ آيَةٍ وَاحِدَةٍ مِمَّا لاَ يَلْتَفِتُ إِلَيْهِ أَصْحَابُهُ الْيَوْمَ، وَلاَ يَحْمِلُونَ الْأَمَانَةَ مِنْ أَجْلِ أَنْ يَعْرِضُوهَا عَلَى الْخَلْقِ جَمِيعًا، فَإِذَا مَا أَبَوْهَا حَمَلُوهُمْ عَلَيْهَا حَمْلاً كَمَا هُوَ مَنْهَجُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ.
هَذَا الْعِلْمُ الْمَادِيُّ الَّذِي تَرَاهُ الْيَوْمَ مَا هُوَ إِلاَّ بَهْرَجٌ، وَأَمَّا الْعِلْمُ الْحَقِيقِيُّ فَعِلْمُ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ سُبْحَانَهُ، وَمَا يُعَلِّمُهُ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ لِأَوْلِيَائِهِ مِمَّنْ يَنْتَسِبُ إِلَى دِينِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ؛ لِأَنَّ الْعِلْمَ يَتَفَاضَلُ فِيمَا بَيْنَهُ أَصْنَافًا عَلَى حَسَبِ شَرَفِ الْمَعْلُومِ، وَهَلْ هُنَاكَ مَعْلُومٌ أَشْرَفُ مِنَ اللهِ؟!
لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ؛ فَالْعِلْمُ بِاللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ هُوَ أَشْرَفُ الْعُلُومِ، وَالْعِلْمُ بِمُحَمَّدٍ سَيِّدِ الْمُرْسَلِينَ يَتْلُوهُ فِي الشَّرَفِ وَفِي الْمَكَانَةِ وَفِي الْمَنْزِلَةِ، ثُمَّ تَأْتِي بَعْدَ ذَلِكَ دَرَكَاتُ الْعُلُومِ، حَتَّى تَصِلَ إِلَى حَمْأَةِ السِّحْرِ -وَالْعِيَاذُ بِاللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ- وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ وَمَا دَارَ فِي فَلَكِهِ سَوَاءً، نَسْأَلُ اللهَ السَّلاَمَةَ وَالْعَافِيَةَ.
عِبَادَ اللهِ! مَا بَلَغَ النَّاسُ الْيَوْمَ؟!
إِنَّ أَسْرَعَ شَيْءٍ فِي الْوُجُودِ سُرْعَةً الْيَوْمَ عَلَى مَا قَالَ الْعُلَمَاءُ هُوَ الضَّوءُ، الضَّوءُ أَسْرَعُ شَيْءٍ يَسِيرُ الْيَوْمَ فِي دُنْيَا اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، بَيْنَنَا وَبَيْنَ الشَّمْسِ ثَمَانِي دَقَائِقَ ضَوْئِيَّةً، يَعْنِي عِنْدَمَا تَطْلُعُ الشَّمْسُ يَسِيرُ الشُّعَاعُ -يَسِيرُ الضَّوءُ- ثَمِانِي دَقَائِقَ مِنْ أَجْلِ أَنْ يَصِلَ إِلَى الْأَرْضِ، وَالشَّمْسُ الَّتِي تَرَاهَا قُرْصًا مُنِيرًا ضِيَاءً فِي قُبَّةِ الْفَلَكِ هَذِهِ تَبْلُغُ فِي حَجْمِهَا مِلْيُونَ مَرَّةٍ مِنْ حَجْمِ الْأَرْضِ كُلِّهَا، وَمَعَ ذَلِكَ لِهَذِهِ الْمَسَافَةِ الْمُتَطَاوِلَةِ بَيْنَنَا وَبَيْنَهَا تَرَاهَا كَقُرْصٍ فِي قُبَّةِ السَّمَاءِ، وَبَيْنَنَا وَبَيْنَهَا هَذَا الْمَدَى الْمُتَطَاوُلُ الَّذِي لاَ يَعْلَمُهُ إِلاَّ اللهُ، وَهِي أَكْبَرُ مِنْ الْأَرْضِ بَجُمْلَتِهَا مِلْيُونَ مَرَّةٍ.
أَتَظُنَّ هَذَا شَيْئًا عَظِيمًا فِي كَوْنِ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ؟! هَذَا لاَ يَبْلُغُ شَيْئًا فِي عِلْمِ اللهِ، وَفِي خَلْقِ اللهِ، وَفِيمَا قَضَى اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ وَقَدَّرَ فِي هَذَا الْوُجُودِ.
إِنَّ عُلَمَاءَ الْفَلَكِ مِنْ غَيْرِ الْمُسْلِمِينَ وَصَلُوا إِلَى حَقِيقَةٍ عَجِيبَةِ الشَّكْلِ أَصَابُوا فِيهَا نَاحِيَةً وَأَخْطَؤُوا فِي نَوَاحٍ، فَأَمَّا النَّاحِيَةُ الَّتِي أَصَابُوا فِيهَا؛ فَهِيَ: الْبَرْهَنَةُ عَلَى عِظَمِ هَذَا الْكَوْنِ وَاتِّسَاعِهِ.
وَأَمَّا النَّوَاحِي الَّتِي أَخْطَؤُوا فِيهَا فَحَدِّثْ عَنْهَا وَلاَ حَرَجَ؛ لِأَنَّهُ لاَ يَعْلَمُ مَا خَلَقَ اللهُ إِلاَّ اللهُ.
يَقُولُونَ: إِنَّ مَدَى هَذَا الْكَوْنِ يَبْلُغُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ مِلْيُونَ سَنَةٍ ضَوْئِيَّةٍ!!
أَتَتَصَوَّرُ لَوْ أَنَّ شُعَاعًا مِنَ الْأَشِعَّةِ مِنَ الضَّوءِ أَخَذَ يَسِيرُ مِنَ الْآنِ، فَسَارَ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ مِلْيُونَ سَنَةٍ ضَوْئِيَّةٍ مَا بَلَغَ نِهَايَةَ الْكَوْنِ الَّذِي خَلَقَهُ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ!!
وَهُوَ أَوْسَعُ فِي الْحَقِيقَةِ مِنْ ذَلِكَ، وَلَكِنَّ الْعَقْلَ الْبَشَرِيَّ بِقِيَاسَاتِهِ يُمْكِنُ أَنْ يَصِلَ إِلَى بَعْضٍ مِنْ الدَّلاَلَةِ عَلَى قُدْرَةِ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ الَّتِي لَيْسَ لَهَا حَدٌّ، ﴿وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَاءَ[البقرة: 255]، فَكَيْفَ إِذَا مَا كَانُوا لاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ أَنْ يُحِيطُوا بِذَاتِهِ؟!
لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ، وَلاَ رَبَّ غَيْرُهُ، وَلاَ إِلَهَ سِوَاهُ.
عِبَادَ اللهِ!
إِيَّاكُمْ أَنْ تَنْهَزِمُوا أَمَامَ ظَوَاهِرِ الْوُجُودِ؛ فَاعْتَصِمُوا بِاللهِ رَبِّكُمْ، وَعُودُوا إِلَى دِينِهِ وَإِلَى سُنَّةِ نَبِيِّكُمْ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَاعْلَمُوا أَنَّ الْعِلْمَ الصَّحِيحَ عِنْدَكُمْ -مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ مِنْ أَتْبَاعِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؛ فَلاَ تَنْهَزِمُوا أَمَامَ الْوَاقِعِ.
وَهَذَا هُوَ الْوَجْهُ الْأَوَّلُ مِنْ وَجْهَيِ السُّؤَالِ الَّذِي طُرِحَ آنِفًا؛ وَهُوَ: مَا مَوْقِفُ الْمُسْلِمِ فِي إِزَاءِ مَا وَصَلَ إِلَيْهِ النَّاسُ الْيَوْمَ مِنَ الْمُخْتَرَعَاتِ الْمَادِيَّةِ وَالْمُسْتَحْدَثَاتِ الْبَشَرِيَّةِ الْحَدِيثَةِ؟
هَذَا تَوْصِيفُ مَوْقِفِ الْمُسْلِمِ؛ أَنَّهُ بِكَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ: (مَهْزُومٌ).
وَأَنَّ مَا يَنَبَغِي عَلَيْكَ فِي الْوَجْهِ الثَّانِي أَنْ تَكُونَ عَلَيْهِ بِمَوْقِفِكَ كَمُسْلِمٍ إِزَاءَ مَا وَصَلَ إِلَيْهِ النَّاسُ هُوَ أَنْ لاَ تُهْزَمَ، وَأَنْ تَعْلَمَ أَنَّ الْعِزَّةَ لَكَ، وَأَنَّ الْعُلُوَّ لَكَ، وَأَنَّ الْعِلْمَ الصَّحِيحَ مَعَكَ، وَعَلَيْكَ أَنْ تُسَخِّرَ هَذَا الْعِلْمَ الْمَادِيَّ وَلاَ تَفِرَّ مِنْهُ، بَلْ تُقْبِلُ عَلَيْهِ بِقَلْبٍ تَقِيٍّ نَقِيٍّ مُؤْمِنٍ يَرْقُبُ فِيهِ رَبَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى؛ مِنْ أَجْلِ تَسْخِيرِهِ لِصَالِحِ النَّاسِ الَّذِينَ خَلَقَهَمُ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ لِغَايَةٍ وَاحِدَةٍ؛ وَهِيَ أَنْ يَعْبُدُوهُ وَيُوَحِّدُوهُ، فَإِذَا مَا صَنَعُوا ذَلِكَ؛ فَقَدْ حَقَّقُوا مَا خُلِقُوا مِنْ أَجْلِهِ، وَإِذَا لَمْ يَصْنَعُوا ذَلِكَ؛ فَقَدْ ضَلُّوا سَوَاءَ السَّبِيلِ.
نَسْأَلُ اللهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَنْ يَهْدِيَنَا وَإِيَّاكُمْ إِلَى سَوَاءِ الصِّرَاطِ، إِنَّهُ وَلِيُّ ذَلِكَ وَالْقَادِرُ عَلَيْهِ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ.


الخطبةُ الثانية



الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ هُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ.
أَمَّا بَعْدُ -عِبَادَ اللهِ!-:
فَإِنَّ اللهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ هُوَ صَاحِبُ الْعِلْمِ، وَيُعَلِّمُ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ مَنْ شَاءَ مِنْ عِبَادِهِ، غَايَةَ مَا هُنَالِكَ أَنَّ عَلَى الْمُسْلِمِ أَنْ يَأْخُذَ بِالْأَسْبَابِ؛ مِنْ أَجْلِ أَنْ يُحَصِّلَ مَحْبُوبَ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ فِيهَ، وَمَرْجُوَّ النَّبِيِّ صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ مِنْهُ.
فَأَمَّا إِذَا مَا فَرَّطَ؛ فَإِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ سَيُحَاسِبُهُ دُنْيَا وَآخِرَةً؛ لِأَنَّهُ لاَ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ، وَاللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ ضِمْنًا فِي كِتَابِهِ قَدْ فَضَّلَ الْكَلْبَ الْعَالِمَ عَلَى الْكَلْبِ الْجَاهِلِ.
وَإِذَا كَانَ عُلَمَاءُ الشَّرْعِ هُمْ زِينَةُ الدُّنْيَا وَبَهْجَتُهَا، وَغُرَّةُ الْوُجُودِ وَدُرَّتُهُ -إِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ-؛ فَإِنَّ مِنَ الْعَارِ أَنْ يَجْعَلَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ وِلاَيَةً لِرَجُلٍ عَلَى وَلِيدٍ صَغِيرٍ لاَ يَفْقَهُ مِنْ أَمْرِ دُنْيَاهُ وَلاَ مِنْ مُسْتَقْبَلِهِ شَيْئًا؛ فَيَفِرُّ بِهِ أَبُوهُ وَوَلِيُّ أَمْرِهِ مِنْ أَنْ يَكُونَ فِي بَحْرِ الشَّرْعِ مُتَعَلِّمًا ثُمَّ عَالِمًا -بِإِذْنِ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ-، وَيَذْهَبُ بِهِ إِلَى خَيَالاَتٍ وَأَوْهَامٍ لاَ تُغْنِي شَيْئًا؛ لِأَنَّ السَّعَادَةَ الْحَقِيقِيَّةَ فِي أَصْلِهَا إِنَّمَا هِيَ فِي اتِّبَاعِ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَاتِّبَاعِ سُنَّةِ النَّبِيِّ الْأَمِينِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ.
وَهَذَا مَعْهَدُكُمُ الْأَزْهَرِيُّ لاَ يَجِدُ مَنْ يَقُومُ عَلَى شَأْنِهِ بِمَدَدِ مَالٍ جَعَلَكُمْ رَبُّكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ، حَتَّى إِنَّ الْأَبْنَاءَ لَيُضَيَّقُ عَلَيْهِمْ؛ بِسَبَبِ فِعْلِ الْمُسْلِمِينَ أَنْفُسِهِمْ مِنْ أَهْلِ الْمَكَانِ وَمَمَّنْ حَوْلَهُ؛ لَيُضَيَّقُ عَلَيْهِمْ؛ فَيُقْذَفُ بِفِلْذَاتِ الْأَكْبَادِ بَعِيدًا عَنِ الْمَكَانِ الَّذِي يَتَلَقَّوْنَ فِيهِ الْعِلْمَ وَهُمْ صِغَارٌ أَغْرَارٌ، أَتَدْرِي لِمَ ذَلِكَ؟!
لِأَنَّ مَنْ حَوْلَ الْمَكَانِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ أَنْ يَقُومُوا عَلَى شَأْنِ دَوْرَةِ مِيَاهٍ وَاحِدَةٍ، لاَ يَسْتَطِيعُ الْمُسْلِمُونَ الَّذِينَ يَجْلِسُونَ بِالتِّلْفَازِ الْمُلَوَّنِ فِي الزَّرَائِبِ وَفِي الْحَظَائِرِ وَفِي حُقُولِهِمْ وَمُنْتَدَيَاتِهِمْ -لاَ يَسْتَطِيعُ هَؤُلاَءِ- أَنْ يَقُومَ قَائِمُهُمْ عَلَى شَأْنِ دَوْرَةِ مِيَاهٍ يَتَأَخَّرُ بِسَبَبِهَا اسْتِلاَمُ مَعْهَدٍ إِعْدَادِيٍّ؛ فَلاَ يُقْذَفُ بِفِلْذَاتِ الْأَكْبَادِ بَعِيدًا تَتَقَاذَفُهُمُ السَّيَّارَاتُ مُعَرَّضِينَ لِلْخَطَرِ فِي هَذَا السِّنِّ الْغَرِيرِ.
وَهُمْ يَحْمِلُونَ كِتَابَ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ فِي زَمَانٍ نَدُرَ فِيهِ مَنْ يَحْمِلُهُ، فِي زَمَانٍ نَدُرَ فِيهِ مَنْ يُقْبِلُ عَلَيْهِ تَالِيًا فَضْلاً عَنْ أَنْ يَكُونَ لَهُ حَامِلاً، إِنَّهُ لَزَمَنٌ عَجِيبٌ حَقًّا، نَسْأَلُ اللهَ السَّلاَمَةَ وَالْعَافِيَةَ.
الْعِلْمُ الصَّحِيحُ هُوَ عِلْمُ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَالْعِلْمُ بِدِينِ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَأَمَّا ظَوَاهِرُ الْأَشْيَاءِ فَالنَّاسُ فِيهَا لِبَعْضٍ خَدَمٌ. 
أَتَظُنُّ أَنَّ الطَّبِيبَ وَالْمُهَنْدِسَ وَالْمُعَلِّمَ يَعْدُو أَنْ يَكُونَ فِي حَقِيقَتِهِ أَجِيرًا عِنْدَ الدَّوْلَةِ، أَوْ عِنْدَ مَنْ يُؤَجِّرُهُ مِنْ مَرِيضٍ أَوْ مُتَعَلِّمٍ أَوْ صَاحِبِ عَقَارٍ؟!
لاَ يَعْدُو أَنْ يَكُونَ أَجِيرًا، وَهُوَ فِي النِّهَايَةِ عَقْدُ إِجَارَةٍ بَيْنَ مُؤَجِّرٍ وَمُؤَجَّرٍ، وَبَيْنَهُمَا صِيغَةٌ عَلَى زَمَانٍ يُقْتَطَعُ مِنْ زَمَانِ وَعُمُرِ الطَّبِيبِ لِيَقُومَ فِيهِ بِفَحْصِ هَذَا الْمَرِيضِ، أَوْ مِنْ عُمُرِ الْمُهَنْدِسِ لِيَقُومَ عَلَى إِنْشَاءِ مَكَانٍ، أَوْ مِنْ عُمُرِ الْمُعَلِّمِ لِكَيْ يُعَلِّمَ طَالِبَهُ مَعْلُومَةً مِنَ الْمَعْلُومَاتِ، كُلُّ هَؤُلاَءِ أُجَرَاءُ.
وَأَمَّا الَّذِي لاَ يَكُونُ أَجِيرًا عِنْدَ أَحَدٍ إِلاَّ اللهَ فَهُوَ عَالِمُ الشَّرْعِ؛ فَلاَ يَتَلَقَّى أَجْرَهُ إِلاَّ مِنْهُ وَحْدَهُ.
أَفَتَفِرُّ بِوَلَدٍ صَغِيرٍ غَرِيرٍ أَنْ يَكُونَ عِنْدَ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ عَامِلاً، وَتَذْهَبُ بِهِ إِلَى خَلْقِ اللهِ أَعْطَوْهُ أَوْ حَرَمُوهُ -نَسْأَلُ اللهَ السَّلاَمَةَ وَالْعَافِيَةَ-؟!
اللَّهُمَّ! أَحْسِنْ وَعَدِّلْ تَصَوُّرَاتِنَا بِرَحْمَتِكَ، إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ.
عِبَادَ اللهِ!
إِنَّ رَبَّكُمْ جَلَّتْ قُدْرَتُهُ يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ، وَاللهُ عَزَّ وَجَلَّ سُبْحَانَهُ يُعَلِّمُ مَنْ شَاءَ بِمَا شَاءَ وَكَيْفَ شَاءَ، وَالْعِلْمُ الصَّحِيحُ هُوَ الْخَشْيَةُ، لَيْسَ بِكَثْرَةِ الْمَحْفُوظِ وَإِنَّمَا الْعِلْمُ الْخَشْيَةُ، كَمَا قَالَ اللهُ جَلَّتْ قُدْرَتُهُ فِي اسْتِعْمَالِ أَدَاةِ الْحَصْرِ (إِنَّمَا): ﴿إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ[فاطر: 28]؛ فَلَنْ تَجِدَ الْعُلَمَاءَ إِلاَّ أَهْلَ خَشْيَةٍ، وَلَنْ تَجِدَ الْخَشْيَةَ إِلاَّ فِي الْعُلَمَاءِ، فَمَنْ كَانَ عَالِمًا بِاللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ حَقًّا فَهُوَ مِمَّنْ يَخْشَى اللهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ حَقًّا، وَأَمَّا إِذَا مَا رَأَيْتَ رَجُلاً ذَا هَيْئَةٍ مِنْ هَيْئَاتِ أَهْلِ الْعِلْمِ ولاَ يَخْشَى اللهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ، فَادْفَعْ فِي قَفَاهُ، أَوْ فِي ظَهْرِهِ، أَوْ فَادْفَعْ فِي وَجْهِهِ -إِنْ شِئْتَ الْأَدَبَ- بِقَوْلِ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ: ﴿إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ﴾؛ فَلاَ يَخْشَى اللهَ فِي الْحَقِيقَةِ إِلاَّ أَهْلُ الْعِلْمِ.
فَادْفَعُوا بِأَبْنَائِكُمْ إِلَى هَذَا، وَقُومُوا عَلَيْهِ، وَاتَّقُوا اللهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ فِيمَا أَعْطَاكُمْ مِنْ أَمْوَالٍ، وَاعْلَمُوا أَنَّ الْأَمَانَاتِ الَّتِي جَعَلَكُمُ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ مُسْتَخْلَفِينَ عَلَيْهَا مِنْ مَالٍ وَوَلَدٍ أَنْتُمْ مَسْؤُولُونَ عَنْهَا أَمَامَ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ فِي الْآخِرَةِ؛ فَاسْأَلُوا اللهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ الْعَافِيَةَ، وَتُوبُوا إِلَى اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ بِجُمَّاعِ قُلُوبِكُمْ، وَعُودُوا إِلَى اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ بِذَوَاتِ نُفُوسِكُمْ؛ عَسَى رَبُّنَا أَنْ يَرْحَمَنَا، وَأَنْ يُبَدِّلَ أَحْوَالَنَا، وَأَنْ يُصْلِحَ نِيَّاتِنَا، وَأَنْ يُعْطِيَنَا وَلاَ يَحْرِمَنَا؛ إِنَّهُ وَلِيُّ ذَلِكَ وَالْقَادِرُ عَلَيْهِ.
اللَّهُمَّ! خُذْ بِأَيْدِينَا إِلَيْكَ، وَأَقْبِلْ بِقُلُوبِنَا عَلَيْكَ.
وَتُبْ عَلَيْنَا لِنَتُوبَ، تُبْ عَلَيْنَا لِنَتُوبَ، تُبْ عَلَيْنَا لِنَتُوبَ.
اللَّهُمَّ! يَا وَاصِلَ الْمُنْقَطِعِينَ أَوْصِلْنَا إِلَيْكَ، وَلاَ تَقْطَعْنَا بِالْأَغْيَارِ عَنْكَ -بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ!-.
اللَّهُمَّ! اهْدِ قُلُوبَنَا، وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا، وَبَيِّضْ وُجُوهَنَا، وَأَقِمْ حُجَّتَنَا، وَسَدِّدْ أَلْسِنَتَنَا، وَاسْلُلْ سَخِيمَةَ صُدُورِنَا، وَوَفِّقْنَا فِي أَعْمَالِنَا.
وَتُبْ عَلَيْنَا لِنَتُوبَ، تُبْ عَلَيْنَا لِنَتُوبَ، تُبْ عَلَيْنَا لِنَتُوبَ، تُبْ عَلَيْنَا لِنَتُوبَ، تُبْ عَلَيْنَا لِنَتُوبَ.
يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ! ارْحَمْنَا، يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ! ارْحَمْنَا، يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ! ارْحَمْنَا، يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ! ارْحَمْنَا، يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ! ارْحَمْنَا.
يَا غِيَاثَ الْمُسْتَغِيثِينَ! أَغِثْنَا، يَا غِيَاثَ الْمُسْتَغِيثِينَ! أَغِثْنَا، يَا غِيَاثَ الْمُسْتَغِيثِينَ! أَغِثْنَا.
اللَّهُمَّ! إِنَّا نَسْأَلُكَ الثَّبَاتَ عِنْدَ الْمَمَاتِ، نَسْأَلُكَ الثَّبَاتَ عِنْدَ الْمَمَاتِ، نَسْأَلُكَ الثَّبَاتَ عِنْدَ الْمَمَاتِ، نَسْأَلُكَ الثَّبَاتَ عِنْدَ الْمَمَاتِ.
نَعُوذُ بِكَ أَنْ يَتَخَبَّطَنَا الشَّيْطَانُ عِنْدَ الْمَوْتِ، نَعُوذُ بِكَ أَنْ يَتَخَبَّطَنَا الشَّيْطَانُ عِنْدَ الْمَوْتِ، نَعُوذُ بِكَ أَنْ يَتَخَبَّطَنَا الشَّيْطَانُ عِنْدَ الْمَوْتِ، نَعُوذُ بِكَ أَنْ يَتَخَبَّطَنَا الشَّيْطَانُ عِنْدَ الْمَوْتِ، نَعُوذُ بِكَ أَنْ يَتَخَبَّطَنَا الشَّيْطَانُ عِنْدَ الْمَوْتِ، نَعُوذُ بِكَ أَنْ يَتَخَبَّطَنَا الشَّيْطَانُ عِنْدَ الْمَوْتِ.
اللَّهُمَّ! إِنَّا نَسْأَلُكَ الثَّبَاتَ عِنْدَ الْمَمَاتِ، نَسْأَلُكَ الثَّبَاتَ عِنْدَ الْمَمَاتِ، نَسْأَلُكَ الثَّبَاتَ عِنْدَ الْمَمَاتِ، نَسْأَلُكَ الثَّبَاتَ عِنْدَ الْمَمَاتِ.
يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ! ارْحَمْنَا، يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ! ارْحَمْنَا، يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ! ارْحَمْنَا.
اللَّهُمَّ! احْرُسْنَا بِعَيْنِكَ الَّتِي لاَ تَنَامُ، وِبِرُكْنِكَ الَّذِي لاَ يُضَامُ، وَبِقُدْرَتِكَ عَلَيْنَا.
لاَ نَهْلِكُ وَأَنْتَ الرَّجَاءُ، لاَ نَهْلِكُ وَأَنْتَ الرَّجَاءُ، لاَ نَهْلِكُ وَأَنْتَ الرَّجَاءُ، لاَ نَهْلِكُ وَأَنْتَ الرَّجَاءُ، لاَ نَهْلِكُ وَأَنْتَ الرَّجَاءُ، لاَ نَهْلِكُ وَأَنْتَ الرَّجَاءُ، لاَ نَهْلِكُ وَأَنْتَ الرَّجَاءُ، لاَ نَهْلِكُ وَأَنْتَ الرَّجَاءُ، لاَ نَهْلِكُ وَأَنْتَ الرَّجَاءُ، لاَ نَهْلِكُ وَأَنْتَ الرَّجَاءُ، لاَ نَهْلِكُ وَأَنْتَ الرَّجَاءُ، لاَ نَهْلِكُ وَأَنْتَ الرَّجَاءُ، لاَ نَهْلِكُ وَأَنْتَ الرَّجَاءُ، لاَ نَهْلِكُ وَأَنْتَ الرَّجَاءُ، لاَ نَهْلِكُ وَأَنْتَ الرَّجَاءُ، لاَ نَهْلِكُ وَأَنْتَ الرَّجَاءُ، لاَ نَهْلِكُ وَأَنْتَ الرَّجَاءُ، لاَ نَهْلِكُ وَأَنْتَ الرَّجَاءُ، لاَ نَهْلِكُ وَأَنْتَ الرَّجَاءُ، لاَ نَهْلِكُ وَأَنْتَ الرَّجَاءُ، لاَ نَهْلِكُ وَأَنْتَ الرَّجَاءُ، لاَ نَهْلِكُ وَأَنْتَ الرَّجَاءُ، لاَ نَهْلِكُ وَأَنْتَ الرَّجَاءُ، لاَ نَهْلِكُ وَأَنْتَ الرَّجَاءُ، لاَ نَهْلِكُ وَأَنْتَ الرَّجَاءُ، لاَ نَهْلِكُ وَأَنْتَ الرَّجَاءُ.
اللَّهُمَّ! أَعِدْنَا إِلَيْكَ عَوْدًا جَمِيلاً، أَعِدْنَا إِلَيْكَ عَوْدًا جَمِيلاً، أَعِدْنَا إِلَيْكَ عَوْدًا جَمِيلاً، أَعِدْنَا إِلَيْكَ عَوْدًا جَمِيلاً، أَعِدْنَا إِلَيْكَ عَوْدًا جَمِيلاً، أَعِدْنَا إِلَيْكَ عَوْدًا جَمِيلاً.
اللَّهُمَّ! انْفَعْنَا بِالْقُرْآنِ، انْفَعْنَا بِالْقُرْآنِ، انْفَعْنَا بِالْقُرْآنِ.
اللَّهُمَّ! آتِنَا الْقُرْآنِ، آتِنَا الْقُرْآنِ، آتِنَا الْقُرْآنِ، وَفَهِّمْنَا الْقُرْآنَ، وَفَهِّمْنَا الْقُرْآنَ، وَفَهِّمْنَا الْقُرْآنَ، وَأَطْلِقْ أَلْسِنَتَنَا بِالْقُرْآنِ، وَأَطْلِقْ أَلْسِنَتَنَا بِالْقُرْآنِ، وَأَطْلِقْ أَلْسِنَتَنَا بِالْقُرْآنِ، وَاشْفِ صُدُورَنَا بِالْقُرْآنِ، وَاجْلِ أَحْزَانَنَا بِالْقُرْآنِ.
اللَّهُمَّ! اجْعَلِ الْقُرْآنَ الْعَظِيمَ جِلاَءَ هُمُومِنَا، وَذَهَابَ غُمُومِنَا.
اللَّهُمَّ! ذَكِّرْنَا مِنْهُ مَا نُسِّينَا، وَعَلِّمْنَا مِنْهُ مَا جَهِلْنَا، وَاجْعَلْهُ حُجَّةً لَنَا لاَ عَلَيْنَا، اجْعَلْهُ حُجَّةً لَنَا لاَ عَلَيْنَا، وَاجْعَلْهُ لَنَا إِلَى الْجَنَّةِ إِمَامًا، وَعَلَى الصِّرَاطِ قَائِدًا، وَعَلَى الصِّرَاطِ نُورًا، وَفِي الْقُبُورِ نُورًا، وَفِي الْقُبُورِ نُورًا، وَفِي الْقُبُورِ نُورًا.
اللَّهُمَّ! آتِ أَبْنَاءَنَا الْقُرْآنَ، وَآتِ بَنَاتِنَا الْقُرْآنَ، اللَّهُمَّ! آتِ أَبْنَاءَنَا الْقُرْآنَ، وَآتِ بَنَاتِنَا الْقُرْآنَ، وَانْفَعْهُمْ بِالْقُرْآنِ، وَانْفَعْهُمْ بِالْقُرْآنِ، وَاجْعَلْ مِنْهَاجَ حَيَاتِهُمُ الْقُرْآنَ -يَا رَحِيمُ! يَا رَحْمَنُ!-.
اللَّهُمَّ! خُذْ بِأَيْدِينَا إِلَيْكَ، وَأَقْبِلْ بِقُلُوبِنَا عَلَيْكَ، وَتُبْ عَلَيْنَا لِنَتُوبَ.
وَصَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ عَلَى الْبَشِيرِ النَّذِيرِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَقِمِ الصَّلاَةَ.